سورة فاطر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)}
نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات الله، وتكذيبهم بها، وسلى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن له في الأنبياء قبله أسوة حسنة، ثم جاء بما يشتمل على الوعد والوعيد: من رجوع الأمور إلى حكمة ومجازاة المكِذبْ والمكذَبْ بما يستحقانه. وقرئ: {ترجع} بضم التاء وفتحها.
فإن قلت: ما وجه صحة جزاء الشرط؟ ومن حق الجزاء أن يتعقب الشرط وهذا سابق له.
قلت: معناه: وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك، فوضع: {فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} موضع: فتأس، استغناء بالسبب عن المسبب: أعني بالتكذيب عن التأسي.
فإن قلت: ما معنى التنكير في رسل؟ قلت: معناه فقد كذبت رسل، أي رسل ذوو عدد كثير. وأولوا آيات ونذر. وأهل أعمار طوال وأصحاب صبر وعزم، وما أشبه ذلك، وهذا أسلى له، وأحثّ على المصابرة.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)}
وعد الله الجزاء بالثواب والعقاب {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ} فلا تخدعنكم {الدنيا} ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} لا يقولن لكم اعملوا ما شئتم فإن الله غفور يغفر كل كبيرة ويعفو عن كل خطيئة. والغرور الشيطان لأن ذلك ديدنه. وقرئ بالضم وهو مصدر غره كاللزوم والنهوك أو جمع غارّ كقاعد وقعود أخبرنا الله عزّ وجلّ أن الشيطان لنا عدوّ مبين، واقتص علينا قصته وما فعل بأبينا آدم عليه السلام، وكيف انتدب لعداوة جنسنا من قبل وجوده وبعده، ونحن على ذلك نتولاه ونطيعه فيما يريد منا مما فيه هلاكنا، فوعظنا عزّ وجلّ بأنه كما علمتم عدوّكم الذي لا عدوّ أعرق في العداوة منه، وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بحاله {فاتخذوه عَدُوّاً} في عقائدكم وأفعالكم. ولا يوجدن منكم إلاّ ما يدلّ على معاداته ومناصبته في سركم وجهركم. ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأنّ غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته ومتبعي خطواته: هو أن يوردهم مورد الشقوة والهلاك، وأن يكونوا من أصحاب السعير. ثم كشف الغطاء وقشر اللحاء، ليقطع الأطماع الفارغة والأماني الكاذبة، فبنى الأمر كله على الإيمان والعمل وتركهما.


{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}
لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً} يعني: أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين، كمن لم يزين له، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا) فقال: {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشآء وَيَهْدِى مَن يَشَآء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} ومعنى تزيين العمل والإضلال واحد، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدي عليه المصالح، حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهي، ويعتنق طاعة الهوى، حتى يرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه، ويقعد تحت قول أبي نواس:
اْقِنِي حَتَّى تَرَانِي *** حَسَناً عِنْدِي الْقَبِيحُ
وإذا خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم، فإن على الرسول أن لا يهتم بأمرهم ولا يلقي بالاً إلى ذكرهم، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم: اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم. وذكر الزجاج أنّ المعنى: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه: أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله، فحذف لدلالة {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ} عليه حسرات: مفعول له يعني: فلا تهلك نفسك للحسرات. وعليهم صلة تذهب، كما تقول: هلك عليه حباً، ومات عليه حزناً. أو هو بيان للمتحسر عليه. ولا يجوز أن يتعلق بحسرات، لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته، ويجوز أن يكون حالاً كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر، كما قال جرير:
مَشَقَ الْهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مَعَ السُّرَى *** حَتَّى ذَهَبْنَ كَلاَكِلاً وَصُدُورَاً
يريد: رجعن كلاكلاً وصدوراً، أي: لم يبق إلا كلاكلها وصدورها. ومنه قوله:
فَعَلَى إثْرِهِمْ تَسَاقَطُ نَفْسِي *** حَسَرَاتٍ وَذِكْرُهُمْ لِي سَقَامُ
وقرئ: {فلا تذهب نفسك} {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7